الثلاثاء، 29 أبريل 2008

لحظة ضعف






يجلس الآن على مكتبه وحيدا شريدا ، يفكر في كل ماحدث ويحدث حوله ، لا يجد تفسير مقنع لأي شيء
يلقي رأسه علي المكتب ويغمض عينيه قليلا ، يشعر بصعوبه في التنفس فيعتدل سريعا ويأخذ شهيق عميق !

يقوم ثم يلقي بجسده الهامد علي السرير ، ولا تزال احداث الايام الماضيه تتعقبه حتي تحت الوساده ،
ازداد ضيق تنفسه واصبح مصحوبا بعرق غزير رغم ان الشتاء لم ينته بعد ،
مسك بمنديل ورقي واخذ يتحسس جبهته وينشف عرقه وهو في حالة يرثى لها ،
ولا تزال احداث الايام الماضيه تحيطه من كل جانب وكأنها الهواء الذي يتنفسه بصعوبه الآن !

لاشك ان صدمته كانت كبيره ، خصوصا انه كان يحبها بكل صدق ، ولم يكن يتمنى سوى ان يرتبط بها وتصبح شريكته مدى الحياه ،
وربما لانه تصور انها تبادله نفس الشعور ، وان العائق الوحيد بينهما هو السن ، فهي تكبره ياشهر قليله ، الحب كافي بان يتخطاها بكثير !

نعم ذلك الحب الذي اصابه منذ ان رآها من عامين ، واصابه بقشعريره يشعر وكأنها لا تزال تسري في جسده حتي الآن ، ذلك الحب الذي كتبه في رساله علي برديه حروفها من نور وسطورها ماسيّه وكلماتها بلغة القرآن عربيه ، الحب الذي لم يتذوقه الا عندما رآها وياليته لم يتذوقه ويا ليته لم يراها !

يزداد العرق ويزداد تنفسه ضيقاً ، ولكنه لا يستطيع الهروب من براثن الامه واحلامه الضائعه ، لا يستطيع حتى ان يصرخ بما يجوب بداخله ، ولا يستطيع استيعاب ماحدث وتصديق انه الآن خسر كل شيء !

نعم احبها ، ولكنه اكتشف انها لا تشعر بنفس القشعريره حينما تراه ، وبانها لا تهوى قراءة البرديات حتى ولو كانت حروفها من نور ، وبأنها فقط تحب نفسها ... وتضيع وقتها ... وترضي غرورها !

نفسه توقف تقريبا الآن ، واصبح يسمع دقات قلبه بوضوح ، قلبه الذي كان يحبها من اجله ، والآن يتعذب ويتألم بسببه وبسبب عدم قدرته علي الاختيار الصحيح ،
يعود لتتنفس ببطء مره اخري ويلتمس العذر لقلبه ، فهو لا يعرف الكثير عن الحب ، وكغيره من القلوب يعيش ليجد اكسير الحياه ، يعيش ليحب ، يعيش ليتألم بنار الحب ، لكنها لم تكن مجرد آلام يستطيع العيش معها ، ولكنها كتبت نهايته قبل ميلاده ، وحكمت عليه بالموت حتى قبل ان يعيش !

الآن وهو مستلقي علي سريره لا يستطيع الحراك ، وقد خسر كل شيء ، خسر عامين من حياته رغم انه كان يدعي انهما كل حياته ، وخسر قلبه رغم انه لايزال ينبض بداخله ، وخسر حلمه رغم انه لم يولد بعد!

وليست هي كل ما يؤرقه الان ، فلقد وجد نفسه وحيدا في الغرفه ولا احد يعلم عنه شيء ، لا يستطيع الحراك ... وان استطاع فالي من ؟ ، اصدقاؤه يكتفون بعبارات المواساه التقليديه ، واهله منشغلون عنه باي شيء ، فاي شيء سواه فهو بالتأكيد أهم منه ، وكل ما يهمهم الان هو النجاح سريعا حتى ينتهي مسلسل تعليمه الطويل ، ويصبح اكثر وحده او كما يقولون : ليصبح اكثر اعتماداً علي نفسه !

يفكر قليلا فيمن يلجأ اليه ، فيجد الغرفه تخلوا من كل شيء الا الاحزان والهموم ، يرفع عينيه الدامعتين الي السماء ، ثم يعود بها سريعا الي غرفته الحزينه ، فقد فكر قليلا في خالقه ، وكيف انه مقصر في كل شيء ، وكيف انه يستحيي حتى من ان يدعوه ليفرج همه وليزيل كربه ...

تزداد الدموع في عينيه ، ويطوّق اليأس قلبه ، ويصبح مشلولا بين خيوط شيطانيه تحيطه من كل جانب ، تملك اليأس منه ووقف الشيطان علي راسه مستغلا هذه اللحظه التي يرقد فيها مؤمن وهو ضعيف لا يقدر علي اي شيء ، ولا يستطيع حتى الدعاء ، لحظه من الضعف لا يستطيع الخروج منها وحده ، يحتاج من يمد يده اليه ويخرجه مما هو فيه فلا يجد أحد بجانبه ، ولايزال الشيطان يوسوس اليه بانه لا امل ولا احد يستحق ان يبقي من اجله ، وتزداد دموعه ، ويزداد استسلامه ، يرفعه يديه اخيرا الي ربه ويدعي ، ولكنه دعاء يتمنى فيه الموت ... دعاء ييأس فيه من رحمة الله ... دعاء لقنه الشيطان اياه وهو سعيد لانه يردده خلفه بمنتهى البراعه !

يزداد يأسه وضعفه ، ويواصل الشيطان استغلال كل هذا ، يقرر ان يتخلص من كل هذه الهموم ، يبحث عن مَوته مريحه تأخذه بعيدا عن كل شيء ، ولكنه يتردد ويفكر قليلا ...
يفكر فيمن يحبونه ، وفيمن يحتاجون اليه ، يفكر في من كان يمنحهم السعاده وفي الذين سيتألمون لفراقه ، يبكي علي نفسه كثيرا مع بكائهم عليه ، يتألم لألمهم من بعده ،
ولكن يعاود الشيطان وسوسته اليه ويقول له : اين هم الان وانت ملقى وحيداً بين همومك ؟ ، اين احباؤك واصدقائك الذين تخاف علي ألمهم من بعدك ، فانت تمنحهم السعاده بلا مقابل وتخفف آلامهم ولا تجد من يخفف آلامك !

ثم يفكر في احلامه الصغيره ، والقصور الرمليه التي كان يرسمها علي الشاطيء ، يفكر في الايام التي لم يعيشها ، وفي الاوقات التي لم يقضيها ، يفكر في اولاده وفي اسمائهم التي اختارها حتي قبل ان يراهم ، يفكر في بيته الصغير وحبه الكبير ... يفكر ويفكر ... يتألم ويبكي ... ويزداد ضعفاً ،
ويجد احلامه قد وأدتها الأيام وقصوره دمرتها امواج الزمان وحبه قد ضاع بين رياح الغدر والخداع !

يزداد ضعفه ويأخذ قراره بان يتخلص من كل هذا ، يقنع نفسه بانه لا ينتحر ويعصي ربه ، ولكنه فقط يحب ان يكون الي جواره ،

يحضر عقار من العقاقير التي يدرسها في الكليه ويعرف كيف يستخدم احدها لتمنحه موته مريحه تنتقل به الي عالم آخر ، يظن انه سيكون باي حال من الاحوال انقي واجمل من هذا العالم الكئيب ...

يخرج من الغرفه وهو مغيب عن كل شي ليحضر زجاجه المياه لتساعده علي شرب الاقراص التي يتنظر ان تمنحه الراحه من الحياه ، وتنتقل به الي حياة اخرى ، ولا احد في البيت يسأله ماذا تفعل ، فالساعه الآن الرابعه صباحا ولا يتبقى علي الفجر الا دقائق قليله ...

ياخذ الزجاجه ويدخل غرفته، يسمي الله ونطق بالشهادتين ... يهم ليضع الاقراص في فمه ...

يتردد قليلا ، ثم يحاول الشيطان ان يزيل تردده ، يفكر للحظات في ان تكون خاتمته صالحه قبل ان يموت ، هل يصلي ، هل يقرأ القرآن ، هل يقبل والديه ؟

وجد المصحف امامه في المكتبه ، قرر ان يقرأ بعض الايات قبل ان ينتقل الي ربه ، رفعه من المكتبه وازال التراب من عليه فهو لم يقرأ فيه منذ شهور طويله ، تمني ان يتقبل ربه ما يفعل الان ، وبانه فقط قرر الانتحار لانه سئم من العباد ويرجو لقاء خالق العباد ... !

فتح المصحف علي سورة الكهف ، فهو يحب هذه السوره من ان حفظها وهو صغير مع اخوته في المسجد ، بدأ القراءه وهو متأثر بكل قول ، يبكي بحرقه ويعتبر بكل قصه من قصص السوره الكريمه ، الغريب انه كلما يقرأ قصه ، يصبح اكثر اقتناعا بانه لا مفر من كل هذه الهموم ، الا الرحيل الي الله ، وانه سيتخلص من كل شيء مقابل الجنه التي تنتظره بعد الموت ، يواصل القراءه وقد غرق في عرقه ودموعه وتأثره الشديد بكلام الله ، قرأ الايات بتمعن احيانا وبتاثر احيانا وسهى عن الكثير احيانا اخرى ، الي ان جاء قوله :

‏‏{‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا‏}. الكهف. 110

وقتها تبدل كل شيء ، وانكشفت الاعيب الشيطان ، كررها مره واثنان وعشره ، سقطت دموعه وسقطت معاها الغشاوه التي كانت علي عينيه ، خرج الشيطان يجر اذيال الخزي والهزيمه ، وانتفض هو من غفلته وضعفه ،
ولايزال يكرر الآيه مره واثنان ، فلقد وجد من يمد اليه يده أخيرا ، انها رحمة الله التي كان يقنط منها ، انها حكمة الله التي بينت كل شيء، انها كلمات الله التي بينت له سوء ما كان هامم بفعه ، انها النور الذي ازال الظلام من علي عينيه وبدل ضعفه قوه ، وحول يأسه الي أمل جميل ،
انها حياه جديده تنتظره وان سئم منها فالحل هوا ان يعمل عمل صالح يفربه الي الله وينتقل به الي جواره ... حل رباني لكل شيء ، كرم الهي ما بعده كرم ، وعفو ما بعده عفو ...

تمت

بقلم / محمد نبيل الدمرداش


الجمعة، 25 أبريل 2008

البنات



كل البنات جواها طيبه وقلب ابيض
لكن ساعات تلاقيها بتلاوع وتعند
وبلمسه من قلب أكيد بيحبها
تلاقيها راجعه اوام لطيبة قلبها
وده شيء ومش موجود غير في البنات

مولوده جواها حنان الام
بتعوزها تلقاها تشيل الهم
والبسمه فعنيها كلام مسحور
واللمسه في ايديها حنين ببضم

هما الملايكه فارضنا
وفي السما هما النجوم
وفي الكتب ... هما السطور
وفي الجنان ... هما حور
وفي القلوب هما نور ...
والنور ده مخلوق مننا
وازاي نعيش ازاي من غير بنات ؟

لا يمكن انسى امي واختي
لايمكن انسى سلمى بنتي
لا يمكن انسى امهات المؤمنين
والعزرا مريم ... مين ينساها مين؟

صحيح انا راجل وهيا ضلع مني
لكن قولولي ازاي ارفض حته مني
دنا الجماد وهيا فيا الروح
وربي وصاني عليها كتير
هيا الورود والعطر منها يفوح
من غير اميره ... ازاي راح ابقى امير ؟

ده كل البنات جواها طيبه وقلب ابيض
لكن ساعات تلاقيها بتلاوع وتعند
وبلمسه من قلب أكيد بيحبها
تلاقيها راجعه اوام لطيبة قلبها
وده شيء ومش موجود غير في البنات

من البوم : ليكو 2008

الخميس، 17 أبريل 2008

احضان الحبايب




يجلس هناك ، خلف كل الهموم ، ينظر اليها في ترقب ، يرتجف رغم حرارة الجو ،
ولا يبالى بكل المتواجدين ، يدندن باغنيه من التراث الجميل رغم انه صوته (مبحوح) ولا يصلح الا السكوت
يغني ويكرر الغناء ، يدندن ولا يسمعه غيره ، ينغمس في جو من الرومانسيه الحزينه ، صنعه لنفسه وعاشه أيضا مع نفسه

مشيييييت مشيييييييييييييت على الأشواك
وجيت لأحبابك
لا عرفو ايه وداك ولا عرفوا ايه جابك

مشيييييت مشيييييييييييييت على الأشواك
وجيت لأحبابك
لا عرفو ايه وداك ولا عرفوا ايه جابك

رميت نفسك فحضن
سقاك الحضن حزن


حتى في احضان الحبايب
شوك شوك يا قلبي

--------------------------------------
ياخذ نفس عميق ، ويتنهد ببطء ، تجتاحه الان اعاصير من الهموم ، يقاومها بالسكوت للحظات ،
ثم يواصل بصوت مليء بالأمل المقتول ويقول :

مشينا هناك ورحنا واللي هناك جرحونا
وجينا شايلين جراحنا وبكينا وقلنا جينا

مشينا هناك ورحنا واللي هناك جرحونا
وجينا شايلين جراحنا وبكينا وقلنا جينا

جينالكم ياللي لينا
مدو ايديكم خدونا
شيلوا الشوك من صدورنا
والدمعه من عنينا

اللي جينالهم ياقلبي يا قلبي
بجراحنا جرحونا ..
بجراحنا جرحونا ..

----------------------------------

يتوقف مره اخري وقد بدأت سدود عينيه تتهاوى امام فيضان الدموع الغزيز ، وخدوده الخصبه تتأهب ان تعانقها في شوق ولهفه وخوف ايضا ، فهو يواصل غناؤه الهامس قائلا :

ابكي
ابكي تحت الليالي
والخوف ملو الضلوع
قلبي
قلبي يا بلاد غريبه بتنورها الدموع

ابكي
ابكي تحت الليالي
والخوف ملو الضلوع
قلبي
قلبي يا بلاد غريبه بتنورها الدموع


رميت نفسك فحضن
سقاك الحضن حزن

رميت نفسك فحضن
سقاك الحضن حزن

حتى فاحضان الحبايب
شوك ... شوك ... يا قلبي

-------------------------------------
يتألم قليلا ، ويثور على الاشواك ، يبدأ في نزعها شوكه شوكه ،
وتسيل دماء الذكريات علي وجوه الصور التى كانت سعيده ، يتنفس ببطء شديد وكان الاحلام ارواح تخرج من جسده الي العالم الآخر، حيث الهدوء والأمان والغموض ايضا !


ياللي فليل البعد بننده
بننده تبقوا معانا
ياللي بنحلم بيكم
ضحكه
واحنا حزانا !

باسم هواكم ليا
بتطفوا الشمعه الباقيه فلياليا
باسم العطف عليا
بترشوا الشوك
بترشوا الشوك في طريق ايامي الجايه

------------------------------------------------
يغمض عينيه كثيرا ، يبحث عن النور بداخله ، يغوص في اعماقه مع كل شهيق ، ثم يعود ليطفوا سريعا مع كل زفير ، ويسأل كل من حوله ولكن لا احد يجيب !

يا شط كان مفروش هنا وحب واماني
ازاي تسلم مركبي للحزن تاني

الدنيا غايمه في عيوني
الدنيا غايمه في عيوني

على فين يا حزن
على فين يا حزن
علي فين يا حزن موديني ؟

في رحلة الوهم البعيده
البعيده
في رحلة الحزن الجديده

ابكي
ابكي تحت الليالي
والخوف ملو الضلوع
قلبي
قلبي يا بلاد غريبه بتنورها الدموع

رميت نفسك فحضن
سقاك الحضن حزن

رميت نفسك فحضن
سقاك الحضن حزن

حتى فاحضان الحبايب
شوك ... شوك ... يا قلبي !

--------------------------------------

يتجرع كأس الاحزان وهوا صامت ، يشرب الكأس تلو الاخر ، يصمت احيانا ويثور احيانا اخرى ،
ولكن لاشك انه الآن اصبح ثملا ، بدرجه تجعله اضعف من ان ينزع شوكه واحده من صدره ، يستسلم للاشواك كما استسلم للاحزان ، ويفتح صدره قليلا ليخرج قلبه المجروح ويحفر حفره علي شاطىء الحياه ، يواري قلبه ويتألم لفراقه ،
يصلي عليه ويدعوا له ، ثم يفارقه الي الأبد !


الجمعة، 11 أبريل 2008

شوية هموم


شوية هموم
بتوع كل يوم
يلفوا في راسي

أفر ... يطولوني
ولما يطولوني
اقلع مداسي
والعن دماغي اللي نايم وناسي ... وناسي !

بقالنا كتير مشفناش بعض
مسلمناش على بعض
ولا سهرناش مع بعض

تعدي عليا الليالي ... تقوللي
تعدي عليا الليالي ... تقوللي
بتضحك يا طيب ؟
طايب ... يدوووم

شوية هموم
بتوع كل يوم
يلفوا في راسي

أفر ... يطولوني

بقالنا كتير مشفناش بعض
مسلمناش على بعض
ولا سهرناش مع بعض

----------------------

دي اغنيه لفنان جميل اسمه وجيه عزيز
واللي (مسروق) منها تتر البيت بيتك الشهر

الاغنيه كلماتها تهز اي حد من جواه

معناها جميل اوي


اتمنى تعجبكم واسمع رايكم فيها

لاني في بلوج مجرد مشاعر ، والاغنيه دي بتمثلي أكتر من مجرد مشاعر !


استمع وحمل من

هنا




الخميس، 3 أبريل 2008

أشباه الأصدقاء



يستيقظ من النوم علي صوت الموبايل الممل والمزعج في آن واحد ، يرفع رأسه قليلا ليرى الساعه فيجدها الثامنه وبعض الدقائق القليله ، ثم لا يلبث الا ان يعود برأسه الي أسفل الوساده مره اخري ويمني نفسه بعشر دقائق اضافيه من النوم المسروق ، ولكن ليس صوت الموبايل فقط هو المزعج هذا اليوم ،
انه تيليفون المنزل هو الآخر يرن باصرار وينتظره حتي يترك الدفء والنوم والاحلام ليعرف من يريده ...

يستجيب اخيرا ويضع قدمه على الأرض فيشعر وكانها تغوص به أو انه هو الذي يطير عليها ، ويصل الي التيليفون وقبل ان يرفع السماعه ، علم المتصل من رقمه المسجل على جهاز اظهار رقم الطالب :

السلام عليكم : ازيك يا احمد عاوز ايه عالصبح ؟
أحمد ( في برود شديد) : ازيك يابني انت لسه نايم ولا ايه ؟
ايوه نايم ، اعمل فيا معروف بقى وصحيني بعد نص ساعه !

يضع السماعه بسرعه ولا يترك له الفرصه حتى للرد عليه او حتى ليعرف سبب اتصاله ، ربما تكون هي (قلة زوق) متناهيه ولكنه مابينهاما من العشم ما يرفع اي تكليف !

يذهب مسرعا الي السرير لعله يلحق ماتبقى من النوم ، يدفس رأسه بشده تحت اللحاف والوساده معا ويكتم نفسه ويغمض عينيه ويتخيل انه نائم منذ ساعات طويله !

ولكن هيهات لقد ذهب النوم من حيث اتى ولم يتبق سوي دفء الوساده وأعمال كثيره تنتظره في باقي اليوم الذي لم يبدأ بعد ...
رحل النوم شيئاً فشيء ورفع رأسه فظهره فاللحاف الملقى عليه ونظر الي الساعه مره أخرى فوجدها الثامنه والربع ، فكر قليلا في الموبايل وفي احمد وقرر ان يتصل به ليعرف سبب اتصاله الذي قصى عالنوم نهائيا وحتى لا يتصل بعد نصف ساعه ويجده مستيقظاً اكثر منه ...

هما يعرفان بعض منذ 4 سنوات ، ربما قضيا نصفها في الحديث في التيليفون ... عن الجامعه ، عن الدراسه ، عن اصدقائهما ، عن احلامهما وعن كل شيء اشتركا فيه سويا او ربما اشترك فيه احدهما واهتم به الاخر لاهتمام أحدهما به ...

ولكن الغريب فيهما ان كل هذا في التيليفون وفي التيليفون فقط ، بمعنى انهما لا يتحدثان في الجامعه 1/8 ما يتحدثانه في التيليفون ، وربما لو رأى أحدهما الآخر اكتفى كل منهما بالقاء السلام وكانهما لم يعرفا بعضهما الا من ساعات قليله !

اتصل به وعلم انه يريد ان يصور منه بعض الاوراق وان يحضرها معه ، وكعادته كانت الموافقه هي اجابته علي معظم طلباته وطلبات الآخرين ، حتى ولو كان هذا علي حسابه وحساب راحته !

انتهت المكالمه سريعا وذهب ليتناول افطاره من السندوتشات التي سبق وان اعدتها له والدته في الصباح الباكر ، واحتسى كوب الشاي المسبق اعداده ايضا ولا يحتاج سوى بعض التدفئه !


انه مدلل في البيت لأنه وحيد وليس له اشقاء ، يفعل مايشاء بمنتهى الحريه ، ولا أحد يعبث باشيائه الخاصه أو يتطفل عليه فيما يقول أو يتصرف ، وعلي عكس الكثير من الشبان فانه لم يسيء التصرف في هذه الحريه ، فقدرها أفضل تقدير وأصبح هو باخلاقه ودينه رقيباً علي نفسه متحكماً في افعاله وأقواله ... قلما ما يحيد عن الصواب ، وان حاد عنه ولو قليلا فانه يعود سريعا بدون ان يعرف احد شيء ،
فهو في البيت خجول ولا يتحدث في شيء الا اذا طلب منه ، مداوم علي الصلوات والشعائر الدينيه الأخرى ، هاديء الطباع ، لا يتكلم فيما لا يعنيه ، وهو يعتبر كل الذي لا يتكلمون عنه في البيت لا يعنيه !

ولذلك فالبيت من وجهة نظره مجرد مكان يجمعه بأب وأم دائمي التضحيه من أجله ، وواجب عليه طاعتهما في كل الامور ، لكنه يفقد لغة الحوار ويحبس داخله همومه ومشاكله ، أفكاره وطموحاته ، لعله يجد من يرغب في الاستماع اليها خارج المنزل ووقتها يمكنه البوح بالكثير !


يذهب الي الجامعه معظم الأيام ، حتى في أيام أجازته لا يمل الذهاب اليها ، يحسده الكثير على أخلاقه وطيبته وعلى أصدقائه أيضاً !
فهو وبرغم انه منطوي نسبياً الا ان له من الأصدقاء ما يجعل الكثير ينقم عليه ، الكل يلتف حوله ويتحدث معه فله من الأدب والخلق واللسان الطيب ما يجعل الكل يحرص علي ان يجعله في اول قائمة (المطلوبين للصداقه) !
البنات أيضا يعبرونه اخ وأكثر ، وفي اغلب الاحيان لا يبدأ بالحديث هو اليهم ، وفي معظم الاحيان يحدث العكس ! ، الكثير منهم يثق فيه لأبعد الدرجات ويحكي له عن ادق اسراره ومشكلاته ، وهو في كل الأحوال يقدر ثقة الناس فيه ويتحمل الأمانه كما ينبغي !

الكثير يعتبره الصديق الأوحد ، او لنقول على رأس قائمة الأصدقاء ، ولكنه وبرغم كل هذا يتردد كثيرا في تسمية علاقته مع كل هؤلاء بالصداقه ، ربما زملاء ... ربما اخوته الذين لم يجدهم حوله ... ولكن ما يستطيع ان يجزم به هو انهم ليسوا اصدقاء كالذين يسمع عنهم ويتمنى أن يكون له مثلهم !

فهو برغم انه مستمع جيد وحكاء ماهر ، الا انه يحتفظ باسراره واهتماماته ومشاعره الدفينه ، في مكان بعيد داخل اعماقه ، لم يصل اليه احد ، وان وصله البعض فانهم لن يجدوا من يفسر لهم الرموز الكثيره والطلاسم العجيبه الموجوده في هذا المكان !


كثيراً ما يهرب من البيت والجامعه الي مكان آخر ، مكان بعيييد يرحل اليه كلما يشعر بالوحده وسط زحام (أشباه الاصدقاء) ، يفتح الانترنت ويغوص مع العالم الافتراضي ، العالم الوردي الوهمي ، العجيب والممل في آن واحد !
كونّ الكثير من العلاقات علي الشبكه العنكبوتيه ، من داخل وخارج البلاد ، بعضعم رآه في الواقع وبعضهم رآي صورهم أو سمع اصواتهم ، وبعضهم اعتبره صديقه الصدوق ايضا ، ولكن المشكله تبقي كما هي ، فالحقائق تزيف والمشاعر تتوارى ويبقي هو مع (أشباه الأصدقاء) !

واحيانا يترك كل هذا ويغوص في القراءه ، يتأمل الحياه على الأوراق ، ويسافر خلال السطور والصور ، ويرحل عبر المعاني الي ابعد ما يمكن ، ولكنه لا يلبث ان يعود سريعاً الى ارض الواقع ، فيجد الغرفه خاليه إلا منه ... ويبقى هو بلا اصدقاء !

يترك الجميع يتحدثون كما يشاؤون ، يجاووب علي اسئلتهم كما يريدون ، يصافحهم ، يعانقهم ، يبتسم في وجوههم ، يمنحهم الشعور بالصداقه مع انه يفتقده ، يمنحهم الشعور بالحب مع انه يتمناه !

ربما لأنه رسم صوره معينه للصديق الذي يتمناه ، ربما لأنه يخشى أن يضع ثقته في أحد ويخذل ثقته كما يرى ويسمع كل يوم ، أو ربما لأنه اعتاد علي الوحده فأي شيء سواها فهو منبوذ من كل أعضاء جسده ، علي الرغم من أن الوحده ذاتها هي التي تقطعه كل يوم بل وانها شطرته الي نصفين !

نعم فلقد يأس من البحث عن هذا الصديق الصدوق ، يأس من البحث عن هذا الملاك البشري ، واختار أن يصبح هو صديق نفسه ، واختار أن يفضفض لذاته ، ويشكي لقلبه ، ويحكي لكلماته !

اختار أن يقول كل شيء ، ولكنه يطمس المعاني علي الأوراق ، يخفي ملامح الكلمات ، وان كانت الملامح واضحه فانه يطفيء كل الأنوار من حولها ، ولا يتبقى سوى هاله من السواد الكئيب ، الذي يجعل الناس لا ترى ولا تتمنى حتي أن ترى أي شيء !

اصبح يحكي لنفسه كل شيء على الأوراق ، ويحكي للناس شيء آخر علي نفس الأوراق ، وكأنه يصرّح بكل شيء يجوب داخل عقله وقلبه ، ولكنه يتحدث لغه غير التي يفهمها الناس ... لغه لا يفهمها الا هو ... ولا يريد أن يفهمها الا هو ايضاً !

عزل نفسه داخل نفسه ، ومشي الاثنان بين أشباه الأصدقاء ، مشيا سعيدين بانهما أوفى الأصدقاء ، وأصدق الأصدقاء ، وأقرب الأصدقاء ، مشيا سعيدين لأنهما يعرفان كل شيء عن كليهما ، ولأن كلاهما مستعد للتضحيه بعمره من أجل الآخر ، وأنه لا يوجد فرصه للخيانه ، فهما شخص واحد اذا أرادوا وهما صديقين في أحلك الأوقات ...

قد يتهمه الكثير بالشيزوفرينيا أو انفصام الشخصيه ، قد يتهمه آخرون بالانطواء ، وقد يسرف البعض في الاتهام وينعتوه بالجنون ، ولكنه لا يكترث بكل هذا ، فلديه الآن صديق يستطيع أن يستغني عن العالم كله من أجله ، لديه الآن أوفى الأصدقاء
...