الصراخ لا يفيد ... والسكون كذلك ، الكراهيه مميته ... والحب قاتل ، الفرح احساس صادق ... والحزن اصدق .
والحيره هي المايسترو المجهول الذي يتحكم في عازفي الحياه أمام الجمهور ،
تظهر جميله انيقه في أعين (السمّيعه) مرهفي الحس
، وتظهر قبيحه ممله في آذان نفس السمّيعه، لمجرد ان محرك الرأس أصابه الصداع ولو لساعه واحده .
وبين ايادي الحيره تتوه الأحلام ، تصبح الرؤيه غير واضحه ، وتصبح الدنيا اكثر عراءً أمام الجميع ،
و الدنيا المرأه الوحيده التي اذا تعرت ... يفر منها الجميع ... الرجال والنساء علي حد سواء !
كذلك الحقيقه مثل الدنيا ، كلاهما ضائع ... ونحن كذلك ضائعون ... بين حقيقة الدنيا وبين دنيا الحقيقه !
وهنا امام الجمهور يظهر بطل القصه ... بطل المسرحيه ... بطل الدنيا ...
البطل الذي صُنع من طين ... ليعود اليه ، وعاش النور فيه ... ليغادره ، وجائه الحب ... ليفارقه .
ويظهر الجمهور متأثراً بما يشاهد ، البعض يبكي بحرقه ، والبعض يتعاطف مع بطلنا ، والبعض يترك القاعه ويغادر الي مسرحيه اخرى ، والبعض مهتم بالجمهور اكثر من اهتمامه بالمسرحيه ، والبعض منهمك في الكلام عبر الموبايل ويتفنن في الشوشره علي الجميع ، والبعض يأكل اللب بشراهه متناسيا ارشادات الطبيب والنظام الغذائي والضغط والسكر بل والدنيا كلها !
كل هذة الاصناف لا تهمني في شيء ، ولكني وقفت كثيراً عند رجل شعره مجعد له اعين مختلفه ، لا ينظر امامه ... ولا حتى خلفه ، لا يلتفت عن يمينه ... وكذلك يساره ، رجل تظهر علامات الحيره التي تحدثت عنها علي وجهه ،
فبينما البطل منهمك في خداع الجميع ، اجده ثاقب العينين ... شديد التركيز ، وكانه يرى شيء آخر غير البطل وغير المسرحيه وغير الجمهور ، يضحك بشده عند المشاهد المبكيه ، ويبكي كثيرا اذا سمع نكته حتي وان كانت (بنت نكته) كما يقولون !
هل الرجل منفصل عن الحقيقه ؟ ... أم هو الوحيد الذي يراها ؟
يقولون ان الاحلام تبدأ كبيره ثم تبدأ في التلاشي رويدا رويدا ، وهو يقول انها كانت صغيره ولكن لهفتنا جعلت منها اسطوره .
هل البحث عن الشيء يزيد تعلقنا به ؟ ... ام نحن متعلقون بالاشياء حتى وان كانت معنا !
وهناك من يرى في السماء مرآه وفي الشمس مصباح ، وفي تعانق الشمس بالبحر مشهد عاطفي مثير ، وفي الرجل الذي يحتضن ولده بحراره مشهد يستحق التوقف عنده وتصويره ان امكن ، فالطبيعي ان تعجب بالقمر في شدة الظلام ، وتنحني امام الاختراعات الحديثه وان كان فيها هلاكك ، وان تثيرك المرأه ذات الرداء الذي يجعلها اكثر عراءً ، وان تبكي حينما يموت بطل قصتنا ، وتصفق بشده حينما تكتشف انك (غبي) في نهاية المسرحيه وتجده يخرج ليحيي الجمهور !
اما غير الطبيعي ان ترى ما تراه بالفعل ، وتشعر ما تلمسه ، وتسمع ما تسمعه ، وتتذوق ما تأكله وتشربه ، وتشم ما تشمه ، نعم هذا غير الطبيعي ، وهذا ما يفعله الرجل صاحب الشعر المجعد وهذا ما لفت انتباهي إليه .
الوهم يجمل الحقيقه كالرداء الاسود الذي يفتنني حينما ترتتديه امرأه بيضاء على غير العاده ،
ونحن نعيش غارقين في الوهم ... وندعي اننا نبحث عن الحقيقه ، ونخجل كثيرا عن ان ننزع الرداء عن الدنيا لنرى قبحها في الظلام والنور علي حد سواء !
هذه هي دنيا الحقيقه ... فماذا عن حقيقة الدنيا ؟
اقتربت من الرجل وسألته : ماذا عن الدنيا يا صاحب الشعر المجعد ؟
لم ينظر الي واكتفى بابتسامه تبدو عميقه ، رفع يده اليمني ووضعها على رأسه ، ووجدته ينزع شعره المجعد لتظهر رأسه خاليه من الشعر تماما ...
وقال لي في هدوء ...
انت تراني مميز بشعري المجعد وتظن انها حقيقه ، وها انت قد رأيت حقيقة الحقيقه ،
تأمل ما تراه ، اسمع ما تسمعه ، تذوق ما تأكله ، استنشق ما تشمه ، واستشعر ما تلمسه
واعلم ان الدنيا ربما تكون اكثر قبحا من الحقيقه ... وربما تكون حقيقة قبحها سر جمالها .
الذهول جعلني مرغم على الصمت ، ولكني بادرته بالسؤال :
وماذا عن الجنه ؟؟؟
قال: هناك الف دنيا ان اردت ... دنيا جميله ، دنيا قبيحه ، دنيا قاسيه ، دنيا ممله ، دنيا فارغه ، دنيا مزدحمه ، دنيا تحبها ، دنيا تبغضها ، دنيا تسعى اليها ، ودنيا تهرب منها ... تستطيع الدنيا ان ترتدي كل يوم رداء جديد ، ربما يكسوها وربما يجعلها اكثر عراءً ...
ولكن لا يوجد سوى جنه واحده ، لعلنا نرى حقيقة الدنيا حتى نصل اليها .
تمت 5/12/2008
محمد نبيل الدمرداش .